الملخص:تعتبر النقود الالكترونية وسيلة دفع حديثة النشأة، فهي آخر ما تم ابتكاره في وسائل الدفع الالكتروني، حيث تميزت بجملة من الخصائص جعلتها من أكبر التحديات التي تواجه أنشطة البنوك المركزية، وهو ما جعل آثارها علىوظائف البنك المركزي محل العديد من التساؤلات والإشكاليات وخاصة دوره في إدارة السياسة النقدية.
وجاءت هذه الدراسة لتحاول تحليل هذه الآثار وإبراز مختلف جوانبها عبر:
- التعرف على البنك المركزي وسياسته النقدية؛
- التعرف على النقود الالكترونية؛
- إبراز مختلف الآثار الناجمة عن استخدام النقود الالكترونية على دور البنك المركزي في إدارة السياسة النقدية.
المقدمة:تلعب الإدارة الاقتصادية دورا هاما في التأثير على مجريات النشاط الاقتصادي من خلال السياسات الاقتصادية التي تنفذها، ويأتي هذا الدور عبر آلية التدخل سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر.
وتعد السياسة النقدية واحدة من أهم الأدوات المستخدمة من قبل الادارة الاقتصادية والتي تسعى لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، حيث تعتبر السياسة النقدية بمثابة حجر الزاوية في بناء السياسة الاقتصادية الكلية، فهي أحد العناصر الأساسية المكونة لها إذ أن لها تأثيرا كبيرا على حالة الاقتصاد الوطني على المستوى الكلي انكماشا أو توسعا،ناهيك عنالسياسة المالية.
فالدولة تتدخل من خلال السياسة النقدية التي يتم التخطيط لها في البنك المركزي، هذا الأخير الذي ينبغي بأن يقوم بدور أكثر فعالية في التحكم في الرصيد النقدي والرقابة على التمويل وبالتالي الرقابة على البنوك التجارية والمؤسسات المالية خاصة في ظل انتشار النقود الالكترونية وزيادة استخدامها كشكل من اشكال التحول إلى الاقتصاد الرقمي والافتراضي.
إلا أن شروط عمل الوظيفة البنكية والمالية عرفت تحولات عميقة حيث انتقلت من وظائفها التقليدية والتي كانت تتمثل أساسا في جمع الادخارات وتوظيفها في الاستثمارات مقابل عائد الوساطة إلا أن الأمور تغيرت تغيرا جذريا حيث لجأت لاستغلال التقدم التكنولوجي الهائل في نظامي الاتصالات والمعلوماتية لتوظيفها بما يخدم أهدافها المتعلقة بالتطوير النوعي والكمي للخدمات البنكية والمالية وبالتالي التحول إلى النمط المالي والمصرفي الإلكتروني.
إشكالية البحث: يثور اهتمام كبير بين الاقتصاديين والسلطات النقدية والمصرفية المسؤولة على النطاقين المحلي والدولي بشأن انعكاس انتشار النقود الالكترونية على وظائف البنوك المركزية ومسؤوليتها بشأن ادارة السياسة النقدية، وهذا ما دفعنا لطرح الإشكالية التالية:
ما مدى تأثير النقود الالكترونية على دور البنوك المركزية في إدارة السياسة النقدية ؟
فرضيات البحث: كإجابة أولية عن هذه الاشكالية سنعتمدعلى الفرضيات التالية:
_ تحدث النقود الالكترونية تغييرا جوهرياعلى وظائف البنك المركزي في ظل تحول الإقتصاد إلى اقتصاد افتراضي؛
_ التوسع في استخدام النقود الالكترونية من شأنه أن يقلص دور البنك المركزي في إصداره للنقد؛ ولكن لن يهدد دوره فيإدارة السياسة النقدية؛
_ لكي تكون هناك إدارة فعالة للبنك المركزي للسياسة النقدية لابد من وجود ضوابط لإصدار النقود الالكترونية.
أسباب اختيار الموضوع: يعود اختيارنا لهذا الموضوع لعدة أسباب نذكر منها:
_غموض مفهوم النقود الالكترونية في الإقتصاد الافتراضي، وهذا يستوجب أن نحدد بدقة تعريف النقود الالكترونية ونعرض الآراء المختلفة حول الموضوع؛
_ضرورة التطرق لتضارب الآراء واختلافها حول تأثير النقود الالكترونية على وظائف البنك المركزي وعلى السياسة النقدية؛
_إبداء الآراء المختلفة حول إمكانية تأثير النقود الالكترونية على دور البنوك المركزية في إدارتها للسياسة النقدية؛
خطة البحث: من خلال هذه الأوراق سيتم التطرق إلى المحاور التالية:
المحور الأول: البنكالمركزي والسياسة النقدية.
المحور الثاني: تأثير النقود الالكترونية على دور البنك المركزي في إدارة السياسة النقدية.
المحورالثالث: ضوابط إصدار النقود الالكترونية.
المحور الرابع: نتائج اختبار الفرضيات والتوصيات.
المحور الأول: البنك المركزي والسياسة النقدية
تعتبر السياسة النقدية واحدة من أهم السياسات الاقتصادية، فهي تتعلق بإدارة الثروة النقدية، كما أن لها آثار هامة فيالواقع الاقتصادي، وعن طريقها يتم توجيه النشاط الاقتصادي والتحكم فيه. ويمثل البنك المركزي السلطة النقدية فهو يحتل مكانة كبيرة في هيكل الجهاز المصرفي لأي دولة نظرا للدور الذي يلعبه.
أولا: البنك المركزي، مفهومه تهريفه، خصائصه ووظائفه: يمثل البنك المركزي[1]الدعامة الأساسية في النظام المصرفي الحديث، حيث أن ظروفا عدة فرضت وجوده في هذا النظام، ومنذ ظهور البنك المركزي وأهميته تزداد يوما بعد يوم وذلك لما له من خصائص تميزه، كما أن له أهدافا سامية يسعى إلى تحقيقها.
1_تعريف البنوك المركزية: اختلفت تعاريف البنك المركزي بإختلاف أدواره ومن بين التعاريف المختلفة نذكر ما يلي:
_ التعريف الأول: البنك المركزي هو "مؤسسة حكومية تتولى الإشراف والرقابة على باقي البنوك، وإدارة النظام النقدي من خلال أدوات السياسة النقدية [2].
_ التعريف الثاني: البنك المركزي هو "مؤسسة نقدية قادرة على تحويل الأصول الحقيقية إلى أصول النقدية، والأصول النقديةإلى أصول حقيقية، أي بتعبير آخر هو قادر على إصدار وتدمير النقود القانونية [3].
من خلال التعريفين السابقة، يمكن أن نعرف البنك المركزي على أنه:
هيئة نقدية حكومية، يمثل السلطة النقدية للدولة حيث يحتل قمة الجهاز المصرفي فهو يسطر أهداف السياسة النقدية ويتبع مجموعة من الإجراءات والتدابير لتنفيذ هذه السياسة، كما أنه البنك المسؤول عن إصدار الأوراق النقدية المتداولة فيالمتداولة في كل بلد.
2_ خصائص البنك المركزي:للبنك المركزي جملة من الخصائص تميزه عن غيره من البنوك، من بين هذه الخصائص نذكر ما يلي [4]:
_ لا يتعامل البنك المركزي مع الجمهور، ولا يقبل الودائع منه، كما لا يمنحه تسهيلات ائتمانية؛
_ يتعامل فقط مع المصارف التجارية والمصارف المتخصصة، والدولة والمؤسسات العامة ويعمل بنكا للبنوك التجارية وبنكا للحكومة، ويقدم لها القروض عند الحاجة، ويعد الملاذ الأخير لها عند حاجتها للسيولة؛
_ يختص وحده بسلطة إصدار النقد القانوني ويعمل على المحافظة على استقرار قيمة العملة،
_ يعمل وكيلا ماليا للدولة دون غيره من البنوك؛
_ يشرف على الجهاز المصرفي، ويوجهه بما يخدم مصلحة الاقتصاد الوطني؛
_ البنك المركزي هو هيئة وحيدة في النظام النقدي والمصرفي، ولا تنافسه أي مؤسسة أو هيئة أخرى على القيام بوظائفه أو أدواره؛
_البنوك المركزية في أغلبها مملوكة للدولة وقد تكون في بعض الدول على شكل شركة مساهمة تمتلك فيها الدولة الجزء الأكبر من أسهمها، ضمانا للسيطرة عليها والتحكم فيها، فالبنك الاحتياطي الفدرالي الأمريكي مملوك للبنوك الإثني عشر المكونة للنظام الاحتياطي الفدرالي، والبنك الوطني السويسري مملوك بنسبة 62%للمقاطعات في حين أن البنوك المركزية لأستراليا، بلجيكا، الشيلي، المكسيك، تركيا، واليابان هي على شكل شركات مساهمة، تمتلك فيها الدولة علىالأقل 50%من الأسهم.
3_ وظائف البنك المركزي: من بين أهم أهدافه دعم النمو الاقتصادي والحفاظ على الإستقرار النقدي، اضافة الى تهيئة البيئة المصرفية المناسبة وتطوير سوق رأس المال.
ولتحقيق أهداف السياسة النقدية العامة للدولة يضطلع البنك المركزي بمجموعة من الوظائف أهمها:
_وظيفة الإصدار النقدي: يقصد بعملية الإصدار النقدي تحويل بعض الأصول التي لا يحوزها البنك المركزي (حقيقية، شبه نقدية أو نقدية) إلى أدوات دفع قابلة للتداول في السوق.
البنك المركزي هو بالأساس مصدر الإصدار لعملة البلد، ويتمتع بهذا الامتياز الذي يمكنه من التحكم في جزء كبير منالنقود المتداولة وضبط نموها حسب نمو النشاط الاقتصادي وتطوره [5].
ولأجل تنظيم جيد لإصدار النقود سنت الدول تشريعا تحتكر فيه حق إصدار النقود إلى مصرف آخر، أطلق عليه البنكالمركزي، والأسباب الرئيسية لحصر امتياز إصدار النقود الورقية بيد البنك المركزي يعود إلى [6]:
_ تحقيق تماثل للنقود الورقية المصدرة المتداولة في السوق المحلية؛
_ زيادة الثقة بالنقود الورقية المصدرة؛
_ زيادة إشراف الدولة على التزام البنك المركزي بالقواعد المطبقة لإصدار النقود الورقية؛
_ إعطاء البنك المركزي رقابة وإشراف أكبر على حجم الائتمان المقدم من قبل البنوك التجارية من خلال تأثير البنك المركزيعلى القاعدة النقدية؛
_ الخوف من إفراط الحكومة بإصدار النقود الورقية إذا ظل الإصدار بيدها.
_ وظيفة بنك الحكومة:قامت البنوك المركزية بوظيفة بنك الحكومة ووكيلها المالي ومستشارها في الشؤون الاقتصادية والنقدية، وكانت البنوك المركزية بصفتها محتكرة لإصدار العملة قد أصبحت مصارف للحكومة، يحتفظ البنك المركزيبالحسابات المصرفية للدوائر والمؤسسات الحكومية، فهو يقبل الودائع الحكومية، ويقوم بتحصيل الشيكات نيابة عن الحكومة ويوفر النقد المطلوب لدفع نفقات الحكومة المختلفة. كما يقوم البنك المركزي بتنظيم القروض التي تصدرها الحكومة في صورة أذون الخزينة أو سندات حكومية، حيث يتولى إصدار القروض العامة بإسم الحكومة.
إذن يعتبر البنك المركزي المستشار المالي للدولة، إذ يقوم بإبداء المشورة والنصح لها [7].
_ وظيفة بنك البنوك: يتربع البنك المركزي على قمة الهرم المصرفي، ومن ثم فهو وضع رئاسي ومتميز بالنسبة للبنوك التجارية، فهو يوفر لها خدمات أساسية تتمثل فيما يلي [8]:
_ تحتفظ البنوك التجارية بودائعها وأرصدتها لدى البنك المركزي؛
_ البنك المركزي هو المقرض الأخير للبنوك التجارية؛
_ يقوم البنك المركزي بإعادة خصم الأوراق التجارية وأذونات الخزينة إذا اقتضى الأمر ذلك؛
_ يقوم البنك المركزي بتسوية الحسابات بين البنوك التجارية بواسطة غرفة المقاصة.
_ وظيفة مراقبة وتوجيه الائتمان:لقد طور البنك المركزي _إما بحكم القانون أو التقاليد_ علاقة وثيقة مع البنوك للرقابةعلى الائتمان المصرفي للبنوك التجارية لغرض تحقيق الاستقرار النقدي، وذلك من خلال وسائل متعددة، فطالما أن البنوك الأخرى وخاصة التجارية قد تتوسع في توليد نقود الودائع بشكل يؤثر على قيمة العملة واستقرارها، على أداء النشاط الاقتصادي، وبالتالي فلا يترك لها الأمر مطلقا بل تتم هذه العملية برعاية وتوجيه البنك المركزي في إطار سياسة ائتمانية انكماشية، أو توسعية حسب الأوضاع الاقتصادية [9].
ثانيا: السياسة النقدية تعريفها، أهدافها وأدواتها: ظهر مصطلح السياسة النقدية مع بداية القرن التاسع عشر، وتطور مدى الاهتمام بها منذ ذلك الحين، حيث عرف مفهوم السياسة النقدية تعاريف عدة صيغت جميعها من وجهة نظر معينة تخص الكاتب والباحث الاقتصادي في المشكلة الاقتصادية والنقدية والمالية والعلاقة التي تربطهم جميعا في الإطار العام للاقتصاد [10].
1_ تعريف السياسة النقدية: نذكر من بين التعاريف المتعددة للسياسة النقدية ما يلي:
التعريف الأول: السياسة النقدية "هي مجموعة الإجراءات التي تتخذها الدولة في إدارة كل من النقود والائتمان وتنظيم السيولة العامة للاقتصاد[11].
يمكن تعريف السياسة النقدية على أنها: مجموعة الإجراءات والتدابير التي تتخذها السلطات النقدية للتأثير في المعروض النقدي بغية تحقيق أهداف معينة في وقت محدد.
وبالتالي فالسياسة النقدية حظيت بذلك الاهتمام من قبل الاقتصاديين للآثار الهامة التي تحدثها في الواقع الاقتصادي ونذكر: التحكم في كمية النقود وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، التحكم في الاتجاهات وتركيب بنية النشاط الاقتصادي عن طريق التأثير في حجم الائتمان المناسب والتحكم في بنية ومجالاته.
2_أهداف السياسة النقدية: عندما تسطر أي دولة سياسة نقدية ما، يجب أن تقرر فيما إذا كانت هذه السياسة لغرض التحكم فقط في التضخم أو ستؤثر على الإنتاج الوطني وعلى حجم البطالة وسعر الصرف [12].
ويمكننا القول بأن للسياسة النقدية عدة أهداف تختلف من بلد لآخر، أو حتى من وقت لآخر في نفس البلد[13]. ويتبع البنكالمركزي من أجل بلوغ أهداف السياسة النقدية الإستراتيجية ابتداء باختياره أداة من أدوات السياسة النقدية ثم الهدف الأولي، فالوسيط إلى الهدف النهائي، ولكن هذا يتطلب من البنك المركزي استخدام أهداف نقدية متصلة ببعضها البعض حتى الوصول إلى الهدف النهائي المنشود وإلا اعتبرت الإستراتيجية غير كاملة [14].
الشكل رقم (01): إستراتيجية السياسة النقدية
|
|
يتدخل البنك المركزي عن طريق يحدد أو يقرر
باستعمال لأجلالتاثير
وعلى الرغم من أن البنوك المركزية للدول المتقدمة تسطر هدف نهائي وحيد مثل: استقرار الأسعار، إلا أنه من الممكن أن تقسم أهداف السياسة النقدية إلى عدة مستويات، أو ثلاث مستويات على وجه التحديد: أهداف أولية، أهداف وسيطة، أهداف نهائية [15]كما هو موضح في الشكل التالي:
|
اين المصادر؟؟
ردحذف